29 أكتوبر 2009

عتمة في وضح النهار

في مسيرة الحياة المختلفة نلتقي مع أشخاص وأفكار وأماكن من مختلف الأشكال والالوان والأتجاهات الفكرية المختلفة فهناك شخص قد تلتقي معه لأول مرة فتعجب به وتعتقد بانه الصديق المثالي الذي ندر في الدهر مثله ولكن سرعان ما يأتيك الدهر من الأنباء ما لم تكن تحتسب فيتحول كل شىء الى سراب كان يحسبه الضمأن ماءا فأذا هو مجرد سراب خادع فقط .وفي عالم الأفكار قد تلتقي بمئات وعشرات الأفكار وعندما تدرسها نظريا تنبهر من روعتها وبريقها المضىء فتحسب أنها مثل نقطة الضوء التي كنت تبحث عنها في ظلمة الحياة ولكن سرعان ما تكتشف أنك كنت تعيش في وهم حقيقي فكنت ظننت التراب جوهرا ثمينا ولكن عندما خضعتها للمجهر فأذا بها مثل أي تراب عادي ولا يختلف عنها في شىء ولكن شخصا ما طلاها باللون الذهبي فحسبتها ذهبا . بدأ الفيلسوف العظيم نيتشه حياته متدينا وكشفت الوثائق التي نشرت عنه بعد وفاته أنه فكر في أثناء مراهقته في أن يدخل الدير ويصبح رجل دين ولكن البحث عن الحقيقة عصفت به بعد ذلك الى شتى الأتجاهات الى ان رمته الى أحضان زرادشت وعندها أكتشف ما أعتبره الحقيقة التي يؤمن بها وعندها فقط ألف سفره الخالد " هكذا تكلم زرادشت " الى نبذ نيتشه المسيحية لأنه لم يجد فيها الديانة التي كان يرجو أنها المثالية ولذلك اندفع نيتشه الى نقدها وفضح أخطاءها بعد ان كا ن يتمنى أن يصبح أحد رجالها والمدافعين عنها . كثيرة هي الحقائق التي تظل مخفية عنا في زحمة أنبهارنا بها بحيث من فرط حبنا نستغرق في حبها كما يستغرق العاشق في وصف معشوقته ولكن عند أول صدمة لنا نكتشف كم كنا أغبياء وكم أعمتنا التأمل في الشكل عن الغوص في الجوهر لاكتشاف حقيقته وعنئذ سوف نندم بعد أن نرهق نفوسنا برميها في دائرة الحزن واللف والدوران في قبلته الغير مقدسه .أعجبني جدا هذا المقطع من كتاب " سخرية الموت " لبيدوس حيث يقول :" ان ملامح هذا العالم كاذبة لأنها تمثل وجها يغطي على القبور والأعماق الملتهبة ولا شىء حقيقي الا كل ما هو مرعب ولو أستطاع الانسان أن يرى المخاطر والأمراض التي تحيط به في المسافة التي يقطعها كل يوم محاولة الأنقضاض عليه أو متهاوية خلفه بعد أن تسلب منه شيئا عند مروره بها لو راها لعلم أن الحياة تشبه حاجا وحيدا أعزل محارب ضد ألف جندي " نعم يا سادتي فتخيل نفسك وأنت تمثل دور محارب أعزل ضد ألف جندي مسلح فماذا تتوقع النتيجة ؟الأسلم لك هنا هو عدم الدخول في المعركة أصلا لأنها محسومة النتيجة وأي دخول فيها قد تتسبب في مأساة لك ولكن هذه المأساة يا سادتي أفضل ألف مرة من مأساة أخرى لن تنتهي بموتك كما في المعركة ضد ألف رجل ولكنها معركة قصيرة ولكن نتيجتها طويلة وطويلة وأثارها تبقى لفترة أطول وشعورها أقوى ومرارتها أعمق . لا شىء في الدنيا أقسى على الأنسان عندما يكتشف ما يسبب صدمة له سواء على مستوى الفكر أو مستوى الواقع الشخصي قد نكتشف بعد فترة أننا كنا نعيش في فكر خاطىء وعند ذلك قد نتحسر على أيام مضت كنا نضحي فيها بالغالي والنفيس من أجل الأنتصار لهذا الفكر وقد يدخل أحدهم في سبيل هذا الفكر ولكن سرعان ما نبدأ بالبحث عن فكر أخر ونكون حذرين من الدخول فيه والأيمان به .ولكن الصدمة تكون أقوى عندما تكتشف واقعا لم تكن تنتظره واقعا كان بعيدا عنك كل البعد وخاصة أذا كان هذا الواقع قريبا منك ومرتبط الصلة بك وعنئذ تكتشف كم أحيانا تفلت منا التحكم بعواطفنا وننطلق في أمور سرعان ما ترتد علينا كالسهام الغادرة عندما تأتي من الوراء وتنهش جسمك نهشا وتتركه بلا حراك وتكون كالحسين وحيدا وغريبا وسهام الكذب تحيط بك من كل جانب ولا تقوى على الحراك .لا بأس يا سيدي لا بأس ففي رحلة الحياة الطويلة تصادف كل تيارات الحياة المختلفة وكل تيار يدعي أنه التيار الأفضل ولكن مع مرور الليالي والأيام تنكشف حقيقتها وتنزع أخر قطعة من ملابسها حتى تبدو تظهر أمامك بحقيقتها المرة المهم هو عدم الأنسياق مرة أخرى أمام المظاهر الكاذبه والتي تحاول أن تتستر بلون الفضيلة والحياء ولكن واقعها الحقيقي يكشفها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق