15 مارس 2010

المنظومة الأخلاقية بين الفلسفة والدين


الأخلاق هي مجموع القيم والمبادئ التي يؤمن بها الإنسان ويتعامل على ضوئها مع الآخرين بما يضمن له الحياة السعيدة والاستقرار والاطمئنان النفسي في الحياة ويقال أيضا بأنه العلم الذي يبحث في كيفية السعادة أو كيف ينبغي أن تكون الحياة.
ويعتقد الفيلسوف الإيراني مرتضى المطهري بانه لا يمكن تقديم تعريف صحيح للأخلاق إلا عند الأخذ بعين الاعتبار المفاهيم العامة والمطلقة أي بالصورة التي تبين كيف يجب أن يحيا الإنسان من حيث هو إنسان والحياة السعيدة للإنسان من حيث هو إنسان ما هي؟ أنا إذا نظرنا إلى المسألة من الناحية الفردية حيث يقرر الفرد ما يريده لنفسه فقط وفي نفس الوقت يكون هذا القرار غير جائز لآخر فإن هذا التعريف غير صحيح.
كثيرا ما نصادف إنسانا يتحدث عن فعل حسن فعله مع إنسان آخر كمساعدة أحد المحتاجين أو إغاثة أحد المكروبين فيقال له: لقد كسبت من ورائه ثوابا من الله أو مقدارا من الحسنات لا يعلمها إلا الله.
وهنا يطرح سؤال حول ماهية الفعل الأخلاقي الإنساني وهل هو ينطلق من جانب عقلي كما يقول بذلك بعض الفلاسفة أم إن له منطلقات دينية على قاعدة الثواب والعقاب كما هو مقرر في المنظومة الدينية التقليدية.
ينظر الفيلسوف أفلاطون إلى النظرية الأخلاقية من خلال نظريته الاجتماعية حيث يقول :إن ما يحمل قيمة حقيقية هي ثلاثة أمور: العدالة والجمال والحقيقة وأرجع هذه الأمور الثلاثة إلى شيء واحد وهو الخير وهو الشيء الوحيد الذي يجب السعي إليه والعمل من اجله وهو الذي تقوم عليه الأخلاق.
ويقول أيضا تبعا لأستاذه سقراط :إن معرفة الخير تكفي للقيام به إذ أنه من غير المعقول وغير المنطقي أن يصل الإنسان إلى معرفة الخير ولا يؤديه وأن سبب عدم العمل به هو الجهل ولذلك ولأجل محاربة فساد الأخلاق فيجب القضاء أولا على الجهل ولذلك يرى أفلاطون أن الإنسان إذا أصبح فيلسوفا فإنه سوف يصبح إنسانا جيدا بالتأكيد فمن المستحيل أن يكون المرء فيلسوفا وفاقدا للأخلاق الحسنة لأن السوء يأتي من الجهل وأرى أن هذا الرأي يعتبر مثاليا أكثر من اللازم لأن السوء والأخلاق السيئة لا تأتي دائما من الجهل وإنما أيضا من الغريزة التي تحكم الإنسان.

واما أرسطو فقد اعتبر أن الأخلاق هي طريق الوصول إلى السعادة فحسب نظرية أرسطو فإن الإنسان طالب للسعادة وليس للخير كما يقول أفلاطون ولذلك يعتقد أرسطو بأن الفضائل والأخلاق هي وسائل للوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه الإنسان ويعمل من أجله الذي هو السعادة لأن الهدف هو ما نتمناه ونطلبه والوسيلة هي ما نفكر به ونختاره فالأفعال المتعلقة بالوسيلة ينبغي أن تكون اختيارية لهذا فإن رعاية الفضائل أمر متعلق بالوسيلة.

ولكن أرسطو خالف أستاذه أفلاطون في أن العالم والمعرفة يكفيان لتحصيل الفضائل إذ يعتقد أرسطو بأن النفس ينبغي أن تخضع للتربية بمعنى أن نوجد في النفس ملكات الفضائل وهذا ما يحصل من خلال الممارسة المستمرة في رعاية حد الاعتدال والوسط.

ويختلف الفيلسوف عمانويل كانط مع أرسطو في أن العقل هو القوة الوحيدة التي تحرك الإنسان في سعيه للوصول إلى السعادة إذ يعتقد كانط ان الغريزة كثيرا ما تكون هي الدافع إلى ذلك واعتقد انه يقترب كثيرا من مفهوم الرياء في الإسلام حيث إن كثيرا ما نرى إنسانا ينطلق إلى فعل الخير ليس من دافع أخلاقي كما يقول أرسطو وإنما من مفهوم غريزي من اجل الوصول إلى هدف آخر غير ظاهري للآخرين ويعتقد كانط طبقا لهذا المفهوم إن الرغبة الإنسانية تختلف من شخص إلى آخر ولذلك اقترح كانط أن يتم الاعتماد في بناء الأخلاق على مبدأ قبلي متعال غير مستمد من التجربة وهو تحرير المبدأ الأخلاقي من الرغبة حتى نستطيع معرفة إذا كان هذا السلوك أخلاقيا أم لا ولذلك رفض كانط مبدأ أرسطو أن السعادة هي الخير الأسمى وأدخل عليها تعديلا جديدا يتوافق مع فلسفته ورؤيته في الأخلاق إذ عرفها قائلا :إنها الخير غير المشروط بأية رغبة أو مصلحة خاصة يقول الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل في تقريره لمذهب كانط الأخلاقي «إن الأخلاق عند كانط تحتوي على عنصر صارم من الاستقامة الكالفينية ذلك لان من الواضح في هذه الأخلاق أن الشيء الوحيد الذي له أهمية أن يكون سلوكنا نابعا من المبادئ الصحيحة وتبعا لهذا الرأي يكون استمتاعك بالشيء الذي تكون ملزما من الوجهة الأخلاقية بعمله يكون هذا الاستمتاع عقبة فعلية في وجه السلوك الأخلاقي فإذا كنت أحب جاري وأشعر تبعا لذلك بالميل إلى مساعدته في وقت الشدة عندئذ لا يكون لهذا الفعل وفقا لمبدأ كانط القيمة الأخلاقية نفسها التي تكون للقيام بعمل طيب مماثل تجاه شخص سمج مكروه تماما وبذلك تتحول المسألة كلها إلى مجموعة من الواجبات الثقيلة غير السارة التي تؤديها لا بناء على رغبة بل بناء على مبدأ أما الفاعل فهو الإرادة الخيرة التي تعد هي وحدها الخيرة بلا قيد أو شرط».
ويرى المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن أن الفيلسوف كانط انطلق في علمنته للأخلاق وعقلنتها من خلال مبدأ ديني بمعنى أنه فصلها عن الدين وأدخل عليها التحليل والتنظير العقلي وضرب مثلا في مفهوم التضامن الذي هو في الأصل مبدأ الإحسان في المسيحية والتراحم عند المسلمين فأدخلت عليه الصفة العقلية ليصبح هو التضامن.

وأما الباحث العراقي الأستاذ أحمد القبانجي فقد انتقد بدوره النظرية الفلسفية للأخلاق لأنها حسب تعبيره تستبعد في معيارها كل ما يمت إلى الله والدين بصلة لأن الله في الفكر الإسلامي هو المحور الأساسي للعقيدة والأخلاق وجميع سلوكيات الفرد المؤمن وتساءل قائلا: كيف نستغني في سلوكنا الأخلاقي عن مفهوم الألوهية ورضا الله تعالى في حين إن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم يحصر الهدف من بعثته ومن الدين في إتمام السلوك الإنساني كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

الإنسان بين الخير والشر

والحديث عن الأخلاق يجرنا إلى الحديث عن الخير والشر فكيف نعرف أن هذا الفعل أو ذاك التصرف خير أو شر؟
انقسم الفلاسفة في الإجابة على هذا السؤال إلى رأيين مشهورين فالرأي الأول يرى أن في كل إنسان قوة غريزية يستطيع بها أن يميز بين الخير والشر وبين الحق والباطل والإنسان يستطيع حسب هذه القوة الغريزية الحكم بأن هذا الفعل خير أو شر وهي قوة غريزية غير مكتسبة مثل العين والإذن وغيرها ويسمى مذهب «اللقانة» أو «الحدس» ومن اهم المنظرين له كارليل وفخته وكانط وغيرهم.
بينما ذهب الفريق الآخر إلى إنكار هذه الغريزة وقالوا:إن معرفتنا للخير والشر تعتمد على التجربة وتنمو بتقدم الزمان وترقي الفكر وإن التجربة هي التي تعلمنا إن كان هذا العمل خيرا أو شرا وتسمى بمذهب التجربة أو مذهب التطور لأنهم قالوا :إن الأخلاق الإنسانية تتطور من جيل إلى آخر ومن زمن إلى آخر والأخلاق في القرن العشرين – مثلا – هي غير عن القرون الوسطى فضلا عن القرون الأولى قبل تطور الكائن البشري وارتقائه من البدائية الأولى إلى المدنية وأبرز من يمثل هذا الاتجاه الفلسفي الفيلسوف المعروف هربرت سبنسر.

واما في المنظومة الدينية فإن المصدر الوحيد لمعرفة الخير والشر هو النص وأقصد بالنص هنا القرآن الكريم والاحاديث المروية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك يرى الأشاعرة وهم الجمهور الأعظم من المسلمين أن الشرع وحده هو الذي يحدد ما هو الخير وما هو الشر بينما العقل يؤكد حكم الشرع على خلاف المعتزلة الذين ذهبوا إلى القول بالحسن والقبح العقليين وتبعهم في ذلك جمهور الشيعة من الإمامية والزيدية وإن كانوا لم ينكروا حجية الشرع وإنما قالوا :إن ما ينص عليه الشرع هو إثبات لحكم العقل وليس العكس.

المراجع

1 - كتاب «مدخل إلى الفلسفة» للأستاذ حسام الألوسي طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر

- 2 كتاب «حكمة الغرب» الجزء الأول والثاني للفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل ضمن سلسلة عالم المعرفة. الكويت
- 3كتاب «الحكمة العملية» للفيلسوف الإيراني مرتضى المطهري طبعة: دار المحجة البيضاء ودار الرسول الأكرم. لبنان.

هذا المقال أمس الأربعاء في ملحق شرفات الثقافي في جريدة عمان بتاريخ 3 / مارس / 2010


هناك تعليقان (2):

  1. هذا المقال يحتوي عديد الاخطاء المعرفية واشكال من الخلط . وهو خلط طبيعي مادام صاحب المقال يريد ان يدمج خطابين مختلفين
    هما الخطاب الديني والخطاب الفلسفي

    ردحذف