5 يوليو 2010
إشكالية العلاقة بين الدين والتاريخ
قراءة معرفية في النظرية البلورالية ( التعددية )
15 مارس 2010
المنظومة الأخلاقية بين الفلسفة والدين
الأخلاق هي مجموع القيم والمبادئ التي يؤمن بها الإنسان ويتعامل على ضوئها مع الآخرين بما يضمن له الحياة السعيدة والاستقرار والاطمئنان النفسي في الحياة ويقال أيضا بأنه العلم الذي يبحث في كيفية السعادة أو كيف ينبغي أن تكون الحياة.
ويعتقد الفيلسوف الإيراني مرتضى المطهري بانه لا يمكن تقديم تعريف صحيح للأخلاق إلا عند الأخذ بعين الاعتبار المفاهيم العامة والمطلقة أي بالصورة التي تبين كيف يجب أن يحيا الإنسان من حيث هو إنسان والحياة السعيدة للإنسان من حيث هو إنسان ما هي؟ أنا إذا نظرنا إلى المسألة من الناحية الفردية حيث يقرر الفرد ما يريده لنفسه فقط وفي نفس الوقت يكون هذا القرار غير جائز لآخر فإن هذا التعريف غير صحيح.
كثيرا ما نصادف إنسانا يتحدث عن فعل حسن فعله مع إنسان آخر كمساعدة أحد المحتاجين أو إغاثة أحد المكروبين فيقال له: لقد كسبت من ورائه ثوابا من الله أو مقدارا من الحسنات لا يعلمها إلا الله.
وهنا يطرح سؤال حول ماهية الفعل الأخلاقي الإنساني وهل هو ينطلق من جانب عقلي كما يقول بذلك بعض الفلاسفة أم إن له منطلقات دينية على قاعدة الثواب والعقاب كما هو مقرر في المنظومة الدينية التقليدية.
ينظر الفيلسوف أفلاطون إلى النظرية الأخلاقية من خلال نظريته الاجتماعية حيث يقول :إن ما يحمل قيمة حقيقية هي ثلاثة أمور: العدالة والجمال والحقيقة وأرجع هذه الأمور الثلاثة إلى شيء واحد وهو الخير وهو الشيء الوحيد الذي يجب السعي إليه والعمل من اجله وهو الذي تقوم عليه الأخلاق.
ويقول أيضا تبعا لأستاذه سقراط :إن معرفة الخير تكفي للقيام به إذ أنه من غير المعقول وغير المنطقي أن يصل الإنسان إلى معرفة الخير ولا يؤديه وأن سبب عدم العمل به هو الجهل ولذلك ولأجل محاربة فساد الأخلاق فيجب القضاء أولا على الجهل ولذلك يرى أفلاطون أن الإنسان إذا أصبح فيلسوفا فإنه سوف يصبح إنسانا جيدا بالتأكيد فمن المستحيل أن يكون المرء فيلسوفا وفاقدا للأخلاق الحسنة لأن السوء يأتي من الجهل وأرى أن هذا الرأي يعتبر مثاليا أكثر من اللازم لأن السوء والأخلاق السيئة لا تأتي دائما من الجهل وإنما أيضا من الغريزة التي تحكم الإنسان.
واما أرسطو فقد اعتبر أن الأخلاق هي طريق الوصول إلى السعادة فحسب نظرية أرسطو فإن الإنسان طالب للسعادة وليس للخير كما يقول أفلاطون ولذلك يعتقد أرسطو بأن الفضائل والأخلاق هي وسائل للوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه الإنسان ويعمل من أجله الذي هو السعادة لأن الهدف هو ما نتمناه ونطلبه والوسيلة هي ما نفكر به ونختاره فالأفعال المتعلقة بالوسيلة ينبغي أن تكون اختيارية لهذا فإن رعاية الفضائل أمر متعلق بالوسيلة.
ولكن أرسطو خالف أستاذه أفلاطون في أن العالم والمعرفة يكفيان لتحصيل الفضائل إذ يعتقد أرسطو بأن النفس ينبغي أن تخضع للتربية بمعنى أن نوجد في النفس ملكات الفضائل وهذا ما يحصل من خلال الممارسة المستمرة في رعاية حد الاعتدال والوسط.
ويختلف الفيلسوف عمانويل كانط مع أرسطو في أن العقل هو القوة الوحيدة التي تحرك الإنسان في سعيه للوصول إلى السعادة إذ يعتقد كانط ان الغريزة كثيرا ما تكون هي الدافع إلى ذلك واعتقد انه يقترب كثيرا من مفهوم الرياء في الإسلام حيث إن كثيرا ما نرى إنسانا ينطلق إلى فعل الخير ليس من دافع أخلاقي كما يقول أرسطو وإنما من مفهوم غريزي من اجل الوصول إلى هدف آخر غير ظاهري للآخرين ويعتقد كانط طبقا لهذا المفهوم إن الرغبة الإنسانية تختلف من شخص إلى آخر ولذلك اقترح كانط أن يتم الاعتماد في بناء الأخلاق على مبدأ قبلي متعال غير مستمد من التجربة وهو تحرير المبدأ الأخلاقي من الرغبة حتى نستطيع معرفة إذا كان هذا السلوك أخلاقيا أم لا ولذلك رفض كانط مبدأ أرسطو أن السعادة هي الخير الأسمى وأدخل عليها تعديلا جديدا يتوافق مع فلسفته ورؤيته في الأخلاق إذ عرفها قائلا :إنها الخير غير المشروط بأية رغبة أو مصلحة خاصة يقول الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل في تقريره لمذهب كانط الأخلاقي «إن الأخلاق عند كانط تحتوي على عنصر صارم من الاستقامة الكالفينية ذلك لان من الواضح في هذه الأخلاق أن الشيء الوحيد الذي له أهمية أن يكون سلوكنا نابعا من المبادئ الصحيحة وتبعا لهذا الرأي يكون استمتاعك بالشيء الذي تكون ملزما من الوجهة الأخلاقية بعمله يكون هذا الاستمتاع عقبة فعلية في وجه السلوك الأخلاقي فإذا كنت أحب جاري وأشعر تبعا لذلك بالميل إلى مساعدته في وقت الشدة عندئذ لا يكون لهذا الفعل وفقا لمبدأ كانط القيمة الأخلاقية نفسها التي تكون للقيام بعمل طيب مماثل تجاه شخص سمج مكروه تماما وبذلك تتحول المسألة كلها إلى مجموعة من الواجبات الثقيلة غير السارة التي تؤديها لا بناء على رغبة بل بناء على مبدأ أما الفاعل فهو الإرادة الخيرة التي تعد هي وحدها الخيرة بلا قيد أو شرط».
ويرى المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن أن الفيلسوف كانط انطلق في علمنته للأخلاق وعقلنتها من خلال مبدأ ديني بمعنى أنه فصلها عن الدين وأدخل عليها التحليل والتنظير العقلي وضرب مثلا في مفهوم التضامن الذي هو في الأصل مبدأ الإحسان في المسيحية والتراحم عند المسلمين فأدخلت عليه الصفة العقلية ليصبح هو التضامن.
وأما الباحث العراقي الأستاذ أحمد القبانجي فقد انتقد بدوره النظرية الفلسفية للأخلاق لأنها حسب تعبيره تستبعد في معيارها كل ما يمت إلى الله والدين بصلة لأن الله في الفكر الإسلامي هو المحور الأساسي للعقيدة والأخلاق وجميع سلوكيات الفرد المؤمن وتساءل قائلا: كيف نستغني في سلوكنا الأخلاقي عن مفهوم الألوهية ورضا الله تعالى في حين إن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم يحصر الهدف من بعثته ومن الدين في إتمام السلوك الإنساني كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
الإنسان بين الخير والشر
والحديث عن الأخلاق يجرنا إلى الحديث عن الخير والشر فكيف نعرف أن هذا الفعل أو ذاك التصرف خير أو شر؟
انقسم الفلاسفة في الإجابة على هذا السؤال إلى رأيين مشهورين فالرأي الأول يرى أن في كل إنسان قوة غريزية يستطيع بها أن يميز بين الخير والشر وبين الحق والباطل والإنسان يستطيع حسب هذه القوة الغريزية الحكم بأن هذا الفعل خير أو شر وهي قوة غريزية غير مكتسبة مثل العين والإذن وغيرها ويسمى مذهب «اللقانة» أو «الحدس» ومن اهم المنظرين له كارليل وفخته وكانط وغيرهم.
بينما ذهب الفريق الآخر إلى إنكار هذه الغريزة وقالوا:إن معرفتنا للخير والشر تعتمد على التجربة وتنمو بتقدم الزمان وترقي الفكر وإن التجربة هي التي تعلمنا إن كان هذا العمل خيرا أو شرا وتسمى بمذهب التجربة أو مذهب التطور لأنهم قالوا :إن الأخلاق الإنسانية تتطور من جيل إلى آخر ومن زمن إلى آخر والأخلاق في القرن العشرين – مثلا – هي غير عن القرون الوسطى فضلا عن القرون الأولى قبل تطور الكائن البشري وارتقائه من البدائية الأولى إلى المدنية وأبرز من يمثل هذا الاتجاه الفلسفي الفيلسوف المعروف هربرت سبنسر.
واما في المنظومة الدينية فإن المصدر الوحيد لمعرفة الخير والشر هو النص وأقصد بالنص هنا القرآن الكريم والاحاديث المروية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك يرى الأشاعرة وهم الجمهور الأعظم من المسلمين أن الشرع وحده هو الذي يحدد ما هو الخير وما هو الشر بينما العقل يؤكد حكم الشرع على خلاف المعتزلة الذين ذهبوا إلى القول بالحسن والقبح العقليين وتبعهم في ذلك جمهور الشيعة من الإمامية والزيدية وإن كانوا لم ينكروا حجية الشرع وإنما قالوا :إن ما ينص عليه الشرع هو إثبات لحكم العقل وليس العكس.
المراجع
1 - كتاب «مدخل إلى الفلسفة» للأستاذ حسام الألوسي طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر
- 2 كتاب «حكمة الغرب» الجزء الأول والثاني للفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل ضمن سلسلة عالم المعرفة. الكويت
- 3كتاب «الحكمة العملية» للفيلسوف الإيراني مرتضى المطهري طبعة: دار المحجة البيضاء ودار الرسول الأكرم. لبنان.
هذا المقال أمس الأربعاء في ملحق شرفات الثقافي في جريدة عمان بتاريخ 3 / مارس / 2010
المعرفة الدينية والتعددية عند المفكر الإيراني عبدالكريم سروش
تشهد الساحة الثقافية الإيرانية حراكا ثقافيا قويا في ظل طرح المزيد من التساؤلات حول جدلية العلاقة بين الدين والدولة وبعض النظريات التي بدأت تنتشر هناك وتشهد رواجا قويا بين المثقفين والشباب ومن ضمنها نظرية القبض والبسط التي طرحها المفكر الإيراني المعروف الدكتور عبد الكريم سروش منذ عدة سنوات وقام بتأصيلها وشرحها بشكل أكبر في السنوات الأخيرة والتي تشمل البحث في المعرفة الدينية وإنها نسبية وكذلك دعوته إلى التعددية الدينية ومن المؤسف له فعلا أنه باستثناء انتشار كتابات المفكر الإيراني المرحوم الدكتور علي شريعتي فإن كتابات الدكتور سروش لا تزال مجهولة ومعدومة الانتشار في الوسط الثقافي العربي المعاصر إضافة إلى المفكرين الآخرين الذين قدموا نظريات في النقد والفلسفة لا تقل عن كتابات علي شريعتي ومن ضمنهم الأستاذ في جامعة طهران الدكتور مصطفى ملكيان الذي يعتبر واحدا من أكبر منظري الإصلاح الديني في إيران والدكتور محسن كديور المتخصص في الفلسفة والفكر السياسي وغيرهم.
وسوف أحاول في السطور القادمة تقديم بعض السطور القليلة عن المفكر الإيراني البارز عبد الكريم سروش مع لمحة بسيطة عن نظريته في المعرفة الدينية والتعددية الدينية مع أمل أن أعود إلى دراسات مفصلة أكثر عن هذا الموضوع المهم.
من هو عبدالكريم سروش؟
اسمه الأصلي هو حسن حاج فرج الدباغ ولد في مدينة طهران سنة 1945 وحصل على الدكتوراة في الصيدلة من جامعة طهران سنة 1968 ثم سافر إلى بريطانيا سنة 1972 لإكمال دراسته في الكيمياء التحليلية.
وبعد عودته إلى إيران بعد انتصار الثورة الدينية هناك سنة 1979 تخصص الدكتور سروش في نقد الفلسفة الماركسية وموضوعات فلسفة العلم وهو التخصص الذي اشتهر فيه المفكر الإيراني الراحل مرتضى المطهري الذي اغتيل سنة 1980 بواسطة منظمة «الفرقان» الدينية المتطرفة.
ومن ابرز الأعمال الفكرية للدكتور سروش في تلك الفترة كتاب «ما هو العلم وما هي الفلسفة؟» وكذلك نقده للكتاب الشهير للمفكر العراقي الراحل محمد باقر الصدر «الأسس المنطقية للاستقراء».
وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية شهدت الساحة الثقافية الإيرانية موجة من الكتابات ذات الطابع النقدي الداخلي والتي انعكست على كتابات مجموعة من المثقفين ورجال الدين ولعل أبرزهم وأشهرهم هو المرجع الديني الراحل الشيخ حسين علي المنتظري والدكتور عبدالكريم سروش الذي ألف في تلك الفترة كتابه النقدي الشهير «القبض والبسط في الشريعة» ناقش فيه الفكر الديني والمعرفة الدينية وسوف نعرض في هذا المقال المختصر بعض جوانب هذه النظرية.
الفكر الديني والمعرفة الدينية
يتحدث الدكتور في كتابه عن الكثير من الإشكاليات حول الدين والمعرفة الدينية حيث يصف الدكتور سروش كتابه هذا بأنه يهدف إلى إخضاع المعرفة الدينية للنقد العقلاني والفحص المعرفي بشرح ماهيتها وتحليل بنيتها وتسليط الضوء على إشكالاتها وتبيان سبل تحددها وتطورها.
ينطلق الدكتور من وصف الدين من نفس الرؤية الدينية التقليدية والمتداولة في الأدبيات الدينية المختلفة حيث يصف الدين بأنه مطلق وثابت ولا مجال فيه للخطأ والنقاش لأنه دين الله الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولكن الدكتور يفرق هنا بين الدين الذي يصفه بالثابت والخالد وبين المعرفة الدينية والتي يعتبرها بأنها من المتحول أو نسبية إذ ان المعرفة الدينية هي معرفة الناس بهذا الدين وفهمهم له الذي هو فهم بشري والذي يرى الدكتور سروش بأنها في تحول دائم بقدر ما تحتمل الالتباس والغموض أو تخضع للخطأ والتناقض فهي معرفة ترتبط بزمانها أو ترتهن لظرفها التاريخي أو لحيثياتها الاجتماعية.
التعددية الدينية والفكرية
ويرى الدكتور سروش بان القول بنسبية المعرفة الدينية ترسخ ثقافة التعددية في الإسلام وتدعمها وتقضي على المنهج الاصطفائي الذي تؤمن به العديد من المذاهب الإسلامية والفرق الكلامية والذي تحكم من خلاله على ضلال الفرق المخالفة لها في المذهب والمعتقد. ويقول الدكتور عبد الكريم سروش إن أول من رسخ مفهوم التعددية ووضع بذورها ودعا إليها هو الله سبحانه وتعالى عندما أرسل أنبياء ورسلا متعددين وأرسل كل واحد منهم إلى مجتمع يختلف عن الآخر وكذلك لإرسال شرائع متعددة من دين التوحيد الذي دعا إليه آدم عليه السلام إلى اليهودية مرورا بالمسيحية والإسلام وحتى في داخل الإسلام نفسه فإن الله لم يشرع اجتهادا معينا ولا فقها معينا لإتباعه وإنما فتح باب الاجتهاد على مصراعيه.
ويدعو الدكتور سروش في كتبه ومقالاته وأبحاثه المتعددة إلى الحوار بين الأديان والمذاهب والأفكار ويرى بأن أصحاب الديانات الأخرى لم ينفتحوا على أديانهم من مبدأ نفعي أو من موقع ضلال وإنما لأنهم آمنوا ورأوا بأنها على الحق وبذلك فانه يقف على الضد من كثير من رجال الدين من أصحاب الديانات المختلفة الذين يدعون بأنهم على الحق المطلق وإن مخالفيهم يعرفون تماما بأنهم على ضلال ولكنهم يتعمدون مجاهدة الحق ومعاندته وقد ألف الدكتور سروش كتابا حول هذا الموضوع تحت عنوان «الصراطات المستقيمه... قراءة جديدة لنظرية التعددية الدينية».
وفي نظرته إلى التيارات والمذاهب الفكرية المعاصرة مثل الليبرالية - مثلا - يرى الدكتور سروش بأن علاقة الإسلام بالليبرالية ليست علاقة بين أمرين متعارضين وإنما هي علاقة أمر غير متعين بأمر متعين الفارق بينهما كالفارق بين الطريق والغاية أو بين السؤال والجواب حيث إن المجتمع الديني لا يسأل لأنه يحسب أنه يمتلك الحقيقة المطلقة والإجابات النهائية لأسئلته أو لأنه لا يسأل لأن بعض الأسئلة لا تخطر بباله أو لا تعنيه أصلا على عكس المجتمع الليبرالي الذي يتحرى الأسئلة الجديدة دوما ويبحث عن الأجوبة الأكثر تكاملا.
ومن جهة أخرى فإن الدكتور سروش يرى أيضا إن المجتمع الديني لا يشجع على النقد والاستفهام بمقدار ما يشجع على الإيمان واليقين ومازلنا نذكر تلك المقولة الشهيرة المتداولة في الخطاب الديني القديم والمعاصر ضد تعلم الفلسفة والمنطق التي تقول «من تمنطق فقد تزندق» بينما في المقابل فإن المجتمع الليبرالي يعتبر السؤال محمودا بل ومطلوبا أيضا ويستخلص الدكتور سروش حديثه بأن المجتمع السليم / الصحي هو الحافل بالنقد والأسئلة لا بالتعبد واليقين فالتعقل هناك يعرف بأنه التساؤل والاستفهام وهذا هو سر التباين بين مجتمع ليبرالي وآخر له دين رسمي.
ومن ناحية أخرى فإن الدكتور سروش ينفي ان الليبرالية لها موقف معاد من الإسلام وذلك في رده على الأطروحات التي تنشر بين الفترة والأخرى في هذه الزاوية من العالم الإسلامي أو تلك وتقف موقفا متشددا من المذاهب الفكرية الحديثة مثل الليبرالية والعلمانية والحداثة وغيرها حيث يعتقد الدكتور سروش بأن الليبرالية لا موقف لها من أي دين فهي ترى الإنسان محقا وحرا في اختيار أي عقيدة أو دين. ولا تتكلم إطلاقا عن تكليف محدد تجاه دين معين بل تتسع كدائرة كبيرة للأديان والمذاهب والملل والنحل كافة بل إنها تؤكد على البقاء في ظروف ما قبل اتخاذ الدين وبهذا تكون الليبرالية متصالحة مع الدين العقلي / الحر غير الرسمي بمقدار مناهضتها للدين الرسمي «الإجباري».
ومن الجدير بالذكر أن مفهوم الثابت والمتحول الذي طرحه الدكتور سروش قد طرحه أيضا قبل سنوات المفكر اللبناني الشهير محمد حسين فضل الله في مقال نشره حينها في مجلة «المنهاج» الفكرية الفصلية وقد أوضح فيه بأن الثوابت في الدين هي قليلة جدا مقارنة مع المتغيرات التي تشكل الجانب الأغلب في الفكر الديني والتي دار حولها الكثير من النقاش والجدل بين المذاهب الكلامية الإسلامية وبين الفلاسفة أيضا طوال تاريخ الفكر الإسلامي القديم والمعاصر ضرب فضل الله مثلا في مسألة الإمامة التي هي أول مسـألة خلافية فرقت بين المسلمين إلى مذاهب متعددة وشيع متناحرة.
وقد تعرض فضل الله حينها إلى الكثير من الانتقادات الشديدة من الأوساط الدينية المختلفة التي اتهمته بالتشكيك في الثوابت الدينية وإهانة المقدسات الإسلامية.
وبعد نشر كتاب «القبض والبسط» للدكتور سروش كان من الطبيعي أيضا أن يتعرض لحملة نقدية أيضا لأنه بنظريته حول نسبية المعرفة كسر احتكار الدين عبر منظومة «الفرقة الناجية» والتي تتبناها المذاهب الكلامية الإسلامية ويصف المفكر اللبناني الدكتور علي حرب هذه النظرية بقوله: «نحن هنا إزاء تفاعل نقدي عقلاني مع المعارف الدينية يتيح
الخروج على عقلية الفرقة الناجية التي تحول المجتمعات والطوائف إلى معسكرات عقائدية بقدر ما يشرع الباب أمام التعدد والاختلاف المشروع في التفاسير والتأويل ويضع حدا لادعاء كل مجتهد أو فريق بأنه يحتكر مفاتيح الإسلام الصحيح بقدر ما يفتح المجال أمام التفاعل مع المعرفة الدينية بوصفها متغيرة أو متراكمة ومتجددة».
المراجع:
1 – كتاب «القبض والبسط» للدكتور عبدالكريم سروش.
2 – كتاب «اتجاهات العقلانية في الكلام الإسلامي» للأستاذ حيدر حب الله.
3 – كتاب «هكذا أقرأ ما بعد التفكيك» للدكتور علي حرب
نشر هذا المقال في ملحق " شرفات " في جريدة عمان بتاريخ 10 2 / 2010.
23 يناير 2010
الطبيعة البشرية في فكر الدكتور علي الوردي
30 ديسمبر 2009
الشخصيات التاريخية الإسلامية والنقد المنهجي
وأما ما حدث في عهد الخليفة عثمان فقد تجاوز كل حدود النقد الى الخروج المسلح على الخليفة بل ومحاصرته في داره بعد ذلك قبل أن يتم قتله بصورة بشعة كان له الأثر السىء على تاريخ المسلمين الى يومنا هذا وقد شارك في هذا الهجوم بعض الصحابة الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة والذين يصنفون في كتب طبقات الصحابة من ضمن الصحابة المقربين وبتأييد من بعض الصحابة الكبار أيضا بل لقد تجاوز المنهج النقدي عند الصحابة الى الخروج المسلح ومقاتلة بعضهم بعضا كما حدث ذلك في ثلاث معارك تاريخية لعبت دور كبيرا جدا في حركة التاريخ السياسي والفكري للإسلام والمسلمين وهي الجمل وصفين والنهروان بل أن قادة معركة الجمل كانوا من الصحابة المقربين للرسول ففي جيش الشام كانت السيدة عائشه ومعها الصحابيين طلحة والزبير وفي الجهة المقابلة كان علي بن أبي طالب مع بني هاشم .
.إذن فأن القول بأن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الحصانة للصحابة من مفهوم النقد هو مفهوم مخالف للقرآن نفسه ويدحضه عمل الصحابة أنفسهم .وقد مارس المعتزلة منهجا نقديا صارما في بعض أعمال الصحابة وكان أبرزهم في ذلك هو أبراهيم بن سيار النظام وكان منهج المعتزلة علميا بغرض علمي وليس لهوى طائفي .وقد مارس النظام سليقته النقديه حيال رجال السلف في جرأة كبيرة غير مسبوقه من فقهاء المسلمين والمتكلمين ومن ثم فقد أخضع جميع الصحابة الى ميزان النقد ليس فقط في مروياتهم كما فعل ذلك في مرويات ابي هريرة بل في جميع تصرفاتهم وسلوكهم وقد كان نقده شديدا الى أحد طرفي حرب الجمل حتى نقل عنه الشهرستاني في الملل والنحل قوله " قوله في الفريقين من أصحاب الجمل واصحاب صفين أن إحدهما مخطىء لا بعينه وكذلك قوله في عثمان وقاتليه وخاذليه إن أحد الفريقين فاسق لا محالة كما أن احد المتلاعنين فاسق لا بعينه وأقل درجات الفريقين أنه لا تقبل شهادتهما كما لا تقبل شهادة المتلاعنين فلم يجوز شهادة علي وطلحة والزبير على باقة بقل وجوز يكون عثمان وعلي على الخطأ هذا قول رئيس المعتزلة في أعلام الصحابة وائمة العترة ووافقه عمر بن عبيد على مذهبه " وطبعا كانت مصير النظا م أن تبرؤ السنه والشيعة منه ومن كلامه السنه بسبب أقواله في بعض الصحابة والشيعة بسبب أقواله في علي بن ابي طالب وتجويزه الخطأ منه . ومن الصحابة الذين نالوا نصيبهم من نقد إبراهيم النظام عبدالله بن مسعود وابي هريرة وغيرهما .وطبعا فنحن نفرق هنا بين نقد المعتزلة ونقد الشيعة فأما المعتزلة فقد انطلقوا في نقدهم من خلال منهج علمي رصين يقوم على محاكمة السند والمتن معا وعدم قبول أي رواية تخالف القرآن الكريم ولو كان الرواة جميعهم من الصحابة ولذلك فقد رفض المعتزلة الأحاديث التي رواها أبو هريرة الدوسي وأعتبروا أن أغلبها لا تصح نسبتها الى الرسول ورفضوا كذلك كل الأحاديث التي تنسب الجسمية الى الله سبحانه وتعالى ومن ضمنها احاديث الرؤية والشفاعة وغيرها .وأما الشيعة فأن نقدهم للشخصيات التاريخيه إنطلقت من خلال رؤية مذهبية بحته من خلال موقف تلك الشخصيات من علي بن أبي طالب فمن ثبت عندهم أنه كان من الفريق الموالي للخليفة علي قبلوا به وأعتبروه من الحواريين ومن ثبت عنه غير ذلك يعتبرونه ناصبيا أو على أقل تقدير غير مرضيا عنه .ومن الجدير ذكره هنا أننا لو تأملنا وتعمقنا في داخل كتب الجدل الطائفي والمذهبي بين المسلمين لرأينا بصورة واضحة أن جميع أرباب المذاهب الإسلاميه قد مارس النقد بشكل أو بآخر على بعض الشخصيات التاريخية وأبرز هؤلاء هو إبن تيميه ففي الوقت الذي يرفع فيه المنظومة العقديه السلفيه شعار " من نقد واحدا من الصحابة فهو زنديق " نجد أن إبن تيميه في كتابه الشهير مارس النقد في حق علي بن أبي طالب بشكل واضح وصريح مما دعا بعض علماء أهل السنه الى وصفه بالنفاق .